جامعة أكاديميون العالمية AIU :: منصة أكاديميون الثقافية يناقش (العلاقة بين الشرق والغرب)

منصة أكاديميون الثقافية يناقش (العلاقة بين الشرق والغرب)

الخميس 19 أغسطس 2021

ضمن سلسلة اللقاءات المقدمة من معهد أكاديميون عبر منصة أكاديميون الثقافية، المنصة الغير ربحية التي تهتم بنشر المعرفة والعلوم من خلال سفراء ومستشاري المعهد، وعبر مجموعة متنوعة من المواد المقروءة والمسموعة والمرئية، قدمت المنصة حوارًا ثقافيًا ضمن سلسلة الحوارات التفاعلية التي تضم نخبة متميزة من المثقفين ورواد العلم في شتى المجالات، ولقاء الثلاثاء الموافق 8/1/1443هـ تم فيها استضافة سعادة الدكتور: مصطفى بن عمر حلبي، الأستاذ المشارك في جامعة طيبة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية قسم الاستشراق، تخصص عام الاستشراق والتخصص الدقيق للدراسات الإسلامية عند المستشرقين (السنة والسيرة النبوية)، وكان عنوان اللقاء "العلاقة بين الشرق والغرب بين نظرة تاريخية مشوشة ورؤية علمية منصفة" وبدأ اللقاء عند الساعة العاشرة مساءً، قدمه الدكتور مشعل المحلاوي عبر برنامج ZOOM.

بدايةً أثار الدكتور حلبي عدة تساؤلات حول العلاقة التاريخية بين العالمين الشرقي والغربي، وماهية طبيعة العلاقة تاريخيًا، وما العوامل التي أثرت سلبًا أو ايجابًا في هذه العلاقة بُعدًا أو قُربًا بين الحضارتين على امتداد تاريخي طويل؟ والنظرة المشوشة والرؤية التي بدأت تقترب إلى الجانب العلمي والإنصاف في ظل المتغيرات الحضارية الحديثة والمعاصرة.

وأردف الدكتور حلبي في حديثه عن العلاقة بين الشرق والغرب حيث أنها بدأت في وقت مبكر جدًا ولا تزال مستمرة وستبقى كذلك فهي سنة إلهية كونية، والعلاقة تأثرت سلبًا وإيجابًا بعوامل متعددة حيث تكّون في الإسلاميات الغربية في الخمسينيات اتجاه متخصص في دراسة نشوء التصورات الغربية وتطورها حول الإسلام في القرون الوسطى وفي العصر الحديث، مثلاً في الوعي الشعبي، وفي الأدب، وفي اللاهود، وفي الدراسات الإسلامية ومن هنا نبعت تخصصات المستشرقين التي بدأت في العصر الحديث، وعنيت بالعلاقة بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية من حيث أوجه الالتقاء وأوجه الاختلاف والتباعد والتقارب خلال التاريخ الزمني في القرن السابع الميلادي، وحاولت الدراسات التي نشأت حديثًا بتحديث طبيعة تلك النظرة التي أثرت في تكوين الرؤى والتخيلات خصوصًا فيما يتصل بالشرق ويتمثل الشرق في الحضارة الإسلامية وشخصية النبي صلى الله عليه وسلم.

وشرح الدكتور حلبي كينونة العلاقة في الوعي الغربي وفي الشعور واللاشعور لديهم حيث تشكلت لديهم صور نمطية ذهنية عن العرب أو الشرق والإسلام فكانت مزيج متناقض من المعارف الموضوعية وفيها تشويهات خطيرة بمنتهى الخيالية وهيمنة تلك الصورة مدة طويلة في العقلية الغربية عن الحضارة العربية الإسلامية وتلك العلاقة بدأت مع نهاية القرن الأول الهجري والسابع الميلادي وتعتبر تلك الفترة مبكرة جدًا، كما أصاب أوروبا الدهشة عند انتشار الإسلام بشكل سريع ثم فوجئت بأن الحضارة الإسلامية بدأت تدق أبوابها، ولحظة وصول العرب إلى إسبانيا وإيطاليا كان الغرب يرقد في "ظلام القرون الوسطى" يتسلط عليهم أسياد الكنيسة وسلطة الآباء الروحية كما صورهم المستشرقين أن العالم الغربي صُمم كما أراده أرباب الكنيسة، ولم يكن هناك داعي للالتفات إلى العلم أو الثقافة والفكر، ولا إلى السياسة لأنهم آباء الكنيسة أشاعوا للناس قاعدة "العالم الحقيقي هو في السماء وليس الأرض" وعاشوا الغرب متقوقعين حول أنفسهم واستسلموا لتلك السلطة، كما قدم النصارى إلى الغرب صورة مشوشة عن الإسلام وقت دخولها الشام، واعتبر الغرب المسلمين الفاتحين وطرقهم لأبواب أوروبا خطرًا كبيرًا فخلطوا بين الهجمات الهمجية من الوثنيين وبين الفاتحين المسلمين، واختلط الوضع في التصورات لدى الناس في أوروبا، وأصبح المسلمون مشكلة يهدد العالم الإسلامي، وأنهم شعب اشتهر بالسلب والنهب وبدأت لديهم تصورات سلبية جدًا، وشارك في رسم تلك الصورة رجال الدين وأدباء وكتّاب ومفكرين ذلك العصر، وقال بعض المستشرقين: "علاقة الغرب بالحضارة الإسلامية الشرقية ثمرة جهل وضيق أفق عند الناس في الغرب" وانتهت ثلاثة قرون بتلك التصورات وتلك النظرة، كما ظهر الكثير من كتّاب الغرب الذين كتبوا عن الإسلام بصورة مشينة ومهينة جدًا حتى يبعدوا الناس عن هذا القادم الجديد الذي لا يعرفونه.

ووضح الدكتور حلبي أن القرن الثاني عشر الميلادي بدأت مرحلة جديدة في النظرة الغربية للإسلام كما وصفوها أنها تتسم "بالتعقل والأمل"، كما بدأت الرموز المسيحية بتقديم صورة مختلفة عن الإسلام وحاولوا عرض الإسلام في صورة نقدية مختلفة، ورأوا أنه ينبغي أن يدرس الإسلام للحوار والنقاش ونقد مضامينه، ولم تكن قضية الحوار للحوار ذاته، ولكنه لضرب إرادة الخصم بتشكيكه في صحة عقيدته، ثم حصل التغير الجوهري في موقف كلاً من الحضارتين الإسلامية والغربية وأخذ اتجاهًا معاكسًا حيث بدأت الحضارة الإسلامية في رحلة هبوط والحضارة الغربية أخذ في الصعود السريع، وأصبح الغرب يشعر بنديته وأصبح متفوقًا وتلك الندية والتفوق جعله يشعر بالاستعلاء ووصف ذلك المستشرقين بأنه "سيطرة المتبربرين انكمشت رفعتها وما عاد لها ذلك الأثر" وأصبح الشرق والإسلام بوجه خاص في نظر الغرب ذكرى يجب الحذر منها.

وفي النهاية تطرق الدكتور حلبي إلى العلاقة بين الشرق والغرب في العصر الحديث والمعاصر حيث أصبحت تتجه إلى دائرة العلماء والمفكرين المثقفين، فهناك ثلة من الكتّاب الغربيين اليوم يتحدثون عن الشرق  والإسلام بإنصاف، كما ذكر أن لمراكز الحوار بشكل عام اليوم دور كبير في استقبال الحوار أيًا كان ما بين الديانات المتعددة، والانفتاح الحواري الذي لا يفرض رأيًا وإنما يبين الحقائق وتبقى النفوس بعيدة عن الإثارات، ثم وضح الدكتور أن الإعلام هو الأداة التي يستخدمها الكثيرين في الوصول الأسرع إلى عموم الناس فكيف يمكن تغيير الصورة المتخيلة القديمة اليوم، وهناك أمثلة كثيرة في التغير الواضح لمعتقد الغرب منه: إسلام المستشرق الغربي الذي أسلم وهو يرسل رسائل حول الإسلام، وجامعة هارفارد التي أعدت القرآن هو الكتاب الأكثر عدلاً وإنصافًا على مستوى التاريخ.

وأضاف الدكتور حلبي في حديثه: "نحتاج إلى أن نعزز الجانب الإيجابي، ونحتاج إلى استثمار النظرة الإيجابية عند الغرب نحو الإسلام لنؤكد أن الحضارة العربية الإسلامية بصورتها الصحيحة، وسيشهد التاريخ بما يصنعه العقلاء والحكماء والمنصفون ويكتبه بمداد من ذهب تلك الجهود الإيجابية وستذهب السلبية في أدراج الرياح ولا يكون منها سوى الذكرى، ويجب أن نظهر الجانب الإيجابي في العلاقات الإنسانية بوجه عام، والله عز وجل خلقنا شعوبًا وقبائل لنتعارف".

وختم الدكتورمشعل المحلاوي الأمسية بالشكر والتقدير للدكتور مصطفى حلبي وامتنانه الشديد لما قدمه سائل الله له التوفيق والسداد.