ضمن سلسلة اللقاءات المقدمة من معهد أكاديميون عبر منصة أكاديميون الثقافية، المنصة الغير ربحية التي تهتم بنشر المعرفة والعلوم من خلال سفراء ومستشاري المعهد، وعبر مجموعة متنوعة من المواد المقروءة والمسموعة والمرئية، قدمت المنصة أمسية ضمن سلسلة أمسيات تفاعلية تضم نخبة متميزة من المثقفين ورواد العلم في شتى المجالات، والأمسية تلقي بظلالها على الكثير من النقاط المهمة التي تخص الطب النفسي تحت عنوان (مفاهيم خاطئة عن الطب النفسي) الذي قدمه الدكتور أحمد حفيظ حافظ استشاري الطب النفسي بالمدينة المنورة، حيث بدأت الأمسية في التاسعة مساءً من يوم الثلاثاء الموافق 28/2/1443هـ عبر تطبيق زووم، وافتتح الأمسية الدكتورمشعل بن ياسين المحلاوي مؤسس معهد أكاديميون الدولي للتدريب.
بدأ الدكتور حافظ الأمسية حول بعض المفاهيم الخاطئة عن الطب النفسي المتداول في أوساط المجتمعات وعرض مجموعة من الأمثلة التي مرت عليه كطبيب نفسي حول تلك المفاهيم، ووضح الدكتور أن البعض من الناس يرى أن الأمراض النفسية يرتبط ارتباط مباشر بالجن أو الشياطين، ويعتبرون أن كل شخص لديه انفعالات غريبة به مس من الجن ويبحثون عن علاج شعبي ولا يعترفون بالطب النفسي في أحيان كثيرة، وكذلك يعولون ارتباط المرض النفسي "بالعين والحسد والسحر" فالإنسان الذي لا يملك الوعي والإدراك بماهية الأمراض النفسية يعلق المرض النفسي على شماعة "الجن، والعين، والسحر" كما أن ليس هناك تعارض بين العلاج بالرقية الشرعية الصحيحة الواردة في السنة المحمدية عليه صلوات الله وسلامه وبين العلاج الطبي سواء للأمراض العضوية أو الأمراض النفسية، كما أن هناك عدم وعي في فهم العلاج النفسي أو أن الأدوية النفسية عبارة عن أدوية تسبب "الإدمان" أو أنها كنوع من المخدرات التي يحذر الجميع من تعاطيه وبذلك قد تسبب تدهور لحالة المريض النفسي وقد تودي بحياته أو قد يتضاعف لديه المرض ويؤذي غيره.
وأكد الدكتور حافظ أن دور الطبيب النفسي ينتهي عند تشخيص حالة المريض وإعطائه العلاج اللازم، ويأتي دور الأسرة بعد ذلك في ملاحظة المريض وإعطائه الدواء حسب توجيه الطبيب فأي خلل قد يعرض المريض للخطر، وكذلك من المهم جدًا دور التوعية والتثقيف في تغيير المفاهيم الخاطئة التي بدوره قد يفاقم من المشكلة النفسية لدى المريض، فهناك دور كبير على أفراد المجتمع في تلك التوعية والتثقيف كلاً في مجاله فالمعلم من خلال الفصل الدراسي، والأستاذ الجامعي في قاعة المحاضرات، وكل إنسان بما أوتي من قوة وعلم وخبرة ودراية بالمشاركة في الوعي والإدراك سواء من ناحية الأمراض العضوية أو الأمراض النفسية.
ووضح الدكتور حافظ أنه من ضمن المفاهيم الخاطئة في الأمراض النفسية أيضًا مطالبة معالجة المرض النفسي دون أي دواء وذلك بسبب أن الأدوية قد تسبب الإدمان كالمخدرات، أو بسبب آثارها الجانبية المدمرة "كحد تفكيرهم" التي تبقى طوال الحياة ولا تزول، أو الخوف من الأقاويل "كلام الناس" عند زيارتهم للمستشفيات الصحة النفسية أو العيادات النفسية، واستبدال العلاج النفسي بالطب الشعبي، أو العلاج بالطاقة وغيرها، بسبب كثرة من يدعي علاج الأمراض النفسية بطرق وأساليب أخرى بعيدًا عن الطب النفسي، فأصبح الدجل والشعوذة بصور مختلفة عن السابق، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "تداووا عباد الله، فإن الله عز وجل لم ينزل داء، إلا أنزل معه شفاء، إلا الموت، والهرم"، وقال: "ما أنزل الله داء إلا قد أنزل له شفاء، علمه من علمه، وجهله من جهله"، فإن أهم ما يملكه الإنسان في هذه الحياة بعد الدين هي الصحة فالحذر من التساهل في ذلك والذهاب لغير المختصين في الطب النفسي وأخذ الدواء أو العلاج منهم، كما أن بعض الناس يرى أن الأدوية عبارة عن "مخدرات" فهذا الأمر غير صحيح، فالأدوية النفسية عبارة عن مضادات للذهان، ومضادات للاكتئاب، ومضادات للهوس، فكل ذلك لا يؤدي إلى الإدمان بأي شكل من الأشكال ولا يعتبر من المخدرات، ونسبة المهدئات الصغرى في الأدوية النفسية لا تتجاوز 5%، ولا تؤدي للإدمان إلا في حالات نادرة جدًا إذا تم أخذها بجرعات كبيرة جدًا، ولفترات طويلة من الزمن، وبدون إشراف طبي، أما إذا أخذت بجرعات محددة، ولفترات معينة، وتحت إشراف طبي مختص فليس هناك أي تداعيات للخوف أو الشك أو الريبة من تلك الأدوية، فيجب دحض هذه الشائعات والأفكار الخاطئة، كما أن جميع الأدوية لها آثار جانبية معينة قد تكون على الكبد أو أماكن معينة بالجسم، وكذلك أدوية الأمراض النفسية قد ينتج عنها آثار جانبية وسرعان ما تزول بعد الانتهاء من فترة العلاج، كما أن الأطباء النفسيين يأخذون في عين الاعتبار عند إعطاء الدواء على القاعدة: "أكبر قدر من النفع بأقل قدر من الضرر"، كما يتم متابعة المريض وعمل الفحوصات والتحاليل الدورية له ليتم التأكد على صحته فترة العلاج، كذل التأكد من كونه مستمر في الطريق السليم نحو صحته.
كما ذكر الدكتور حافظ أن بعض الناس يظن أن العلاج النفسي هو فقط علاج دوائي، وهذا أمر غير صحيح فهناك علاجات نفسية متنوعة ومتعددة حسب احتياج المريض، كالعلاج السلوكي، والمعرفي، والعلاج المتمركز نحو العميل، والعلاج التحليلي، والعلاج الروحي "بكيفية الارتقاء بالروح الإنسانية، والتركيز على الايمانيات والروحانيات، وكيفية تحسين العلاقة مع الله سبحانه وتعالى"، كذلك العلاج الرياضي، والعلاج الغذائي، والعلاج بإعادة تنظيم نمط حياة الإنسان "من حيث العادات اليومية في النوم مبكرًا، والاستيقاظ المبكر".
ووضح الدكتور حافظ أن أول مستشفى للأمراض النفسية في العالم على الاطلاق كان في عهد الخلافة الأموية في دمشق، وكانوا لا ينظرون للعلاج النفسي على أنه وصمة أو نظرة دونية، أو أنه من مسببات الجن ولكن كانوا يهتمون به اهتمامًا بالغًا، حيث كان المستشفى ينعم بمكان جميل وبوسط حديقة غناء، ويجلبون للمرضى أفضل أنواع الأطعمة، ويمولون المستشفى من بيت مال المسلمين، فكانت لهم نظرة راقية للطب النفسي وللمرضى النفسيين، وأول من استخدم العلاج بتنظيم الإيقاع الكهربائي بالطريقة البدائية هو ابن سينا، وتلك حقيقة مغيبة حتى عن كتب الطب الحديث، وفي الوقت الراهن هناك بديل لطريقة ابن سينا في العلاج بالإيقاع الكهربائي عن طريق الأجهزة الكهربائية الحديثة لحالات معينة من المرضى النفسيين، وتلك الطريقة آمنة وأثبتت فعاليتها.
كما أشار الدكتور حافظ أن أغلب الأفكار التي وجدت في مخيلة الناس حول المرض النفسي تمحورت من خلال الأفلام والمسلسلات العربية القديمة التي كانت تحمل في طياتها صورًا غير حقيقية للمرضى النفسيين والعلاج النفسي، كما أن هناك موروث ثقافي مختزن من الأفكار المغلوطة حول العلاج النفسي، وأن أغلب الأمراض النفسية ماهي إلا نتاج من الصدمات التي قد تحصل في الحياة، وتسبب جروحًا يصعب علاجها على مر السنين، فالجروح النفسية أشد عمقًا وأشد إيلامًا من الجروح الجسدية، والآلام النفسية مبرحة أكثر من الآلام العضوية.
وشدد الدكتور حافظ بوجوب تكاتف كافة طبقات المجتمع بكافة التخصصات العلمية كلاً في مجاله لنشر الوعي في المجتمعات حول الأمراض النفسية وعلاجها لدى الناس، ويجب أن يكون هناك وقاية أولية نفسية حول الأمراض النفسية، والاكتشاف المبكر للمرض النفسي لمنع المضاعفات، كما أن النساء أكثر عرضة للاكتئاب من الرجال بنسبة 25% والرجال بنسبة 12%، فالأعباء الحياتية التي قد تتعرض لها المرأة أحد أهم العوامل التي تساعد في زيادة احتمالية الإصابة بالأمراض النفسية لديهن عن الرجال.
وختم الأمسية الدكتور مشعل المحلاوي بشكره الدكتور أحمد حافظ لما قدمه في الأمسية من معلومات قيمة، كما شكر الأعضاء الحاضرين للأمسية.